بيدين مرتجفتين، وبإيماءات جسدية بدت وكأنها مشهد تمثيلي على خشبة المسرح، تسرد أسما اللحظات الأولى من بداية عملها كمعالجة فيزيائية، وكأنها تعيش الحالة ذاتها من الحذر الشديد، في محاولة إعادة الحياة إلى أطراف أنهكتها الحرب.
في إحدى أقبية معضمية الشام في غوطة دمشق الغربية، التي كانت مُعدة كنقطة طبية تحت الأرض خشية قصف النظام وورسيا، تعمل الطبيبة “أسما” في معالجة المصابين فيزيائيا، بينما تقصف الطائرات المزيد من حمولاتها المتفجرة لتخلف إصابات جديدة وموت جديد أمام المصابين، الذين ما زالوا على قيد أمل العافية.
اليوم وقد أمست هذه اللحظات من ذاكرة “أسما” لكنها ما زالت ترافقها مع كل حالة بعد تهجيرها قسريا على يد النظام إلى مدينة إدلب شمال غرب سوريا، لازالت أسما تتابع نشاطها لمعالجة المصابين لتحقيق حلمها في مساعدة مصابي الحرب.
وما بين تدافع الذكريات في مخيلة “أسما” التي لا تكاد تنتهي تقول أسما لـ سوريا ١: “تجربتي التطوعية مع ذوي الاحتياجات الخاصة من أجمل الأشياء التي قمت بها في حياتي، حيث غيرت بشكل إيجابي من نظرتي للأشخاص والحياة، ففي اللحظات الأولى من ممارسة عملي كنت خائفة من ارتكاب أي خطأ يزعج الأطفال، تعاملت معهم بحذر وخوف شديدين لكنني مع مرور الوقت أصبحت جزءا منهم”.
تتابع أسما: “تعلمت الصبر وتقبل الصعوبات في ظل القصف والضغط النفسي والجسدي، وتعلمت أيضا أن أقدر نعم الله على الإنسان المعافى، وأدركت معنى الكمال العقلي والجسدي”.
وأضافت أسما حول نشاطها في الشمال السوري بعد التهجير، “نعمل في مركز دار الأرقم في مدينة حارم شمال إدلب للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، ومركز براعم بمدينة كفرتخاريم، كما نقوم بجولات في المخيمات لمعالجة كل من يحتاج للدعم النفسي”.
وفي ظل أزمة انتشار وباء كورونا تقول أسما “شاركت بحملات التوعية الصحية في المخيمات ودور رعاية المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة، من خلال تقديم التوجيهات والارشادات العامة للحد من انتشار الوباء في المناطق المحرر”.
لا تتوقف أسما عن سرد القصص التي تواجهها أثناء عملها والتي لا تخلو كثير منها من النهايات الجميلة، حيث تسرد أسما “لـ سوريا1″، قصة إحدى النازحات من ريف حلب والتي تعرضت لأزمة قلبية ما أدى لإصابتها بشلل نصفي، وخلال العلاج تجاوزت الكثير من الأزمات النفسية التي كانت تعانيها، إضافة لتحسن حالتها الجسدية بنسبة 70%، ما كان ليقطع حديث ليقطع قصص أسما إلا النداء الذي جاءها عبر رسالة “واتساب”، لتذهب وتكمل مشهدها في عيادتها وترسم قصة أمل لمصاب جديد بالعودة إلى حياته الطبيعية.